انا لن أتحدث عن شخصية المواطن المطحون الكاريكاتيرية الشهيرة ولو أنها معبرة، ولكنني سأتحدث عن مواطن من ملايين المطحونيين الذين نراهم ولا نراهم، أو ربما نتظاهر بأننا لا نراهم ونقنع انفسنا بأن مالا نراه هو غالبا غير موجود .
موقف حدث امامي لم يتعد الثلاث دقائق ولكن المه في نفسي استمرعدة أيام وكلما تذكرت حقا لا زلت أشعر بالألم
الموقف باختصار عامل نظافة تابع للبلدية ملامح يظهر فيها قسوة ظروف وقهر مجتمع...جسد ضئيل يكاد ينفلت من ملابس العمل باللون البرتقالي الزاهي... لرجل حياته ليست زاهية ، عدم الاهتمام بمظهره واضح ،ربما كف عن الاهتمام بمظهرة نظراً لوقوعه في مطحنة الحياة التي لا ترحم ، أو لأن احدا لن يلاحظ الفرق ، او لأن همومه اكبر من تفكيره في مظهره
يقترب يقوم بعمله في تنظيف ما خلفه مجتمعنا الراقي يجر صندوق في وهن.. يتقاطع طريقه مع طريقي أننا وصديقة لي أثناء ذهابها للسيارة بعد العمل..ثم يصطدم بها بصندوقه صدمة ربما المتها .. جعلتها تصرخ
ايه انت مش شايف ؟؟؟
. ثم يأتي سايس الجراج .
.جري ايه يا حمار يا بابن الكلب انت اعمي ؟؟؟
وبصوت منكسر واهن
والله ماكنت اقصد
والكل عاد الي ما كان يفعله .. ولكنني لاحظت هاتان العينان المملوءة بدموع لا تنزل ووجه ينظر في الارض حاملا انكسار الزمن وانكسار الاهانة وانكسار الفقر
هذا الصوت المنكسر والوجه المنكسر كسرني انا شخصياً
اقتربت منه ورغما عني ربتت على ذراعه وقلت :
- معلش ماتزعلش
- والله ماكنت اقصد
- عارفة .. معلش هي كمان ماتصدقش
فرحت بشبح هذه الابتسامة الخافتة التي ارتسمت على وجهه ان هناك احد ما ربما قد احس به ..
انتهى الموقف جل مافعلته هو اني حاولت المحافظة على جزء من انسانيتي وجزء من انسانية هذا الرجل الذي نراه ولا نراه
كلما تذكرت هذا الموقف ووجه هذا الرجل اشعر فعلا بألم وقررت ان اكتب هذا الموقف تخليدا لكل رجل مطحون في هذا الوطن الذي لا يرحم الضعفاء ولا يرحم الفقراء
الى هذا المواطن المطحون بالذات
خالص اعتذاري عن هذا المجتمع المشوه